"الدخول في الشرنقة "
فوز الكلابي سيدة للقصة النسائية
كيف للقصة أن تعيش بعدك .وكيف يمكن للغة أن تواصل زحفها في غيابك..؟
إن بحثنا عن هندسة النص نقول "فوز الكلابي "وإن حملنا السرد في قصص تصلح لكل جيل .فلن نجد أفضل من قصص " القاصة العراقية فوز الكلابي " هي فوز الوشاح الأحمر ..وهو المدخل الشاسع لعالم الكتابة النسائية.
فوز التي قلتها لها يوما ..هنالك نساء خلقن للمقاعد الأولى من مسرح الأدباء..كنت أعرف أن هذه المرأة نذرت نفسها للقصص التشخيصية .هي كاتبة الزاوية.. مخرجة اللغة المشهدية، وسيدة العامل النفسي في كل حوار أو طرح لقضية تمثلها كتابة تعبر عن المرأة العربية ..في انتظار أن يقرأها أحد ليسارع لتلبية نداء الإغاثة الذي تطلقه كل قصة من قصص هذه المرأة المتمردة ..
أجلس الليلة معكم وأنا أضع قصة "الدخول في الشرنقة "أمامي ..أنزع ساعة يدي .وأمسح نظارتي بمنديل صغير من ذاك النوع الذي يقدم لي كهدية كل ستة أشهر حين أغير الزجاج والكادر لهذه النظارات التي بدونها ما استطعت أن أكتب نقدا ولا أن أجلس مع كل رواية أو قصة تثيرني لأكتب عنها..
الدخول في الشرنقة.وامرأة تضع حياتها في أكياس :
-كيس لحبيب تحدى الطائفية ليصل بها إلى الزواج ..
-كيس لوطن يعيش قضية سياسية أثرت تبعاتها على نفسية رجل تغير بين قضية وضحاها..
-كيس لأنفصال لم يكن متوقعا
-وكيس لأنتظار أبناء أخدهم الزوج وهرب بهم إلى المجهول .
الدخول في الشرنقة والعامل النفسي المحرك للشخصيات :
فوز الكلابي امرأة لها الذكاء الكافي واحتيال المخرج الذي يسكنها لتصور لنا الحالة النفسية لبطلة قصتها التي أدخلتنا بطريقة مباشرة في عالمها وهي تعود بنا إلى البدايات ..وكأن هذه المرأة تعترف لنا بحياة ارتكبتها
بكل تناقضها وهي تقول :في الجامعة، رأيته لأولِ مرة، من حينها ونظراتهُ تلاحقني أينما ذهبتْ . لم أكنْ سعيدة بهذهِ النظرات ، لكني لم أعترضْ ربما لانها كانت تُشبع ذلك الغرور الكامن داخلي كفتاة جميلة دون أن أدري , لم أحببهُ قط لكني أيضا لم أرفضهُ حين تقدم للزواج مني بعد أربعة اعوام , فتحديهِ لاهلهِ من أجلي بسبب اختلاف طائفتنا كانت كافيةٍ لاسكاتي وأقناعي من أنني سأعيش في ظلِ رجل يعرفُ كيفَ يحميني..
والعامل النفسي هنا نلمسه التعابير التالية :
-لم أكنْ سعيدة بهذهِ النظرات
لم أعترضْ لأنها كانت تُشبع ذلك الغرور الكامن داخلي كفتاة جميلة دون أن أدري..
-لم أحببهُ قط لكني أيضا لم أرفضهُ حين تقدم للزواج مني بعد أربعة أعوام.
وتكمل السرد وهي تسلك المنحى المرجعي لنفسية البطلة "المتغير بعد الزواج ":كل شيء سارَ بهدوء, لم يكسرهُ الا صراخ طفلتنا حين ولدتها في يوم كانت السماءُ مليئة بسحبٍ سوداء, فرحته بالبنت لمْ تتغلب على شرقيته , فظلَ يحلمُ بالصبي الذي يحملُ اسمهُ حتى تحققَ له ذلك بعد عام ونصف ..
من العوامل الفنية والإنتاجية في طرح لغة السرد عند فوز الكلابي ..هو ذهابها الدائم في كل قصة إلى خلق مساحة للتعبير النفسي عن أبطالها..وهو اختيار انتاجي اكثر منه فني ..فأنا عندما ألمس الحالة النفسية لهذا الرجل الشرقي "العراقي "الذي استقبل ميلاد هذه الإبنة بفرحة ناقصة كما صورتها الكاتبة أعي وأفهم أن الشرق مازال ينتج لنا ثقافة الطفل الأول الذي جرت العادة أنه حبذا لو كان "ذكرا "..ومساحة المتخيل هنا العام والنصف الذي فصل بين ميلاد الإبنة والإبن ..هو رابط بين قصتين في قصة واحدة .
وعودة للنص المتصاعد الأحداث والذي نستطيع تقييمه بالمعيار الفني "الحدث وحده "دون العودة للعامل المغير والمحرك لهذه القصة "الدخول في الشرنقة "وهو الرجل وقراراته وهي "العقدة "ففي كل قرار يأخذه هذا الرجل تتغير جميع أحداث القصة .
تقول البطلة : انتقالنا للعيش في بيتِ أهله في احدى المحافظات, كانت الانعطافة التي غيرتْ مسيرة حياتنا وجعلتها تتأخذ لونا أخر ليس هو اللون الذي ابتدأت به ..
وهنا نعود للطابع الشرقي ..وتعطينا الكتابة مساحة كافية لتخيل الحالة الإجتماعية والطبقية التي ينتمي لها أبطال القصة ..فنحن لا ننتقل للعيش في بيت الأهل. إلا في وجود حالات تدفعنا للنزوح إن صح التعبير .وفي حالة القصة التي ننقاشها اليوم فهذا الإنتقال المفاجئ للبطلة مع ابن وابنة وزوج للعيش في بيت الأسرة أو العائلة مؤكد أن له أبعاد نفسية واجتماعية على أبطال القصة.وهذا ما تمتاز به الكلابي كما سلف لي الذكر .
العراق وطن يصلح ليموت فيه الجميع ..ومن هنا أبعث لك دعوة لتموت أوتميتني في سبيل قضية لا دخل لي بها غير أني أحببتك.
تقول :صحونا ذات يومٍ ربيعي على خبرِ سقوط النظام ..أصبحَ إنسانا أخر, يتحاشى التحدثُ معي أو الجلوسَ بجانبي بل بلغُ ألامر به الامتناعَ عن تناول الطعام معي ..شيئا فشيئا لم أعدْ أشعر أني متزوجة إلا حين أدخل غرفتي لاجدهُ ممدا على السرير ينتظرَ أن يسدَ جوعهُ من جسدي ثم يغُطُ في نومٍ عميق دون أن يتفوه بكلمة ..
"فوز الكلابي وثقافة التصوير المشهدي"
قبل شهور كنت جلست مع الأستاذة فوز في جلسة حوار وسألتها هل درست الإخراج .؟لأنني اراك مخرجة .وأحب الزاوية التي تأخذين منها مشاهدك ..فأنت تحملين الكامير وأنت تكتبين ..وهذا ما المسه الليلة أيضا في تقريب العدسة من الحياة الزوجية بين البطلين ..
-صحونا ذات يومٍ ربيعي على خبرِ سقوط النظام .."تصوير الفضاء الخارجي للقصة والحدث السياسي "
-أصبحَ إنسانا أخر, يتحاشى التحدثُ معي أو الجلوسَ بجانبي بل بلغُ ألامر به الامتناعَ عن تناول الطعام معي .."تصوير للفضاء الداخلي ومرحلة من التنافر التي وصلت لها العلاقة"
- لم أعدْ أشعر أني متزوجة إلا حين أدخل غرفتي لاجدهُ ممدا على السرير ينتظرَ أن يسدَ جوعهُ من جسدي ثم يغُطُ في نومٍ عميق دون أن يتفوه بكلمة .."تصوير لغرفة النوم التي طالتها الخلافات حتى أصبحت مكانا لإفراغ "
التمهيد عند فوز الكلابي لنقطة التحول يرتدي دائما الثوب الداخلي
للحدوثة عندها مما يقلب الأحداث
على دفعات .
تقول :فقداني لخصوصيتي هو الشيء الذي ظلَ يثيرُ سخطي, خارج الغرفة لم أكنْ زوجة , بل خادمة لكلِ مَنْ في المنزل لا أجروء على فعلِ أو قولِ شيء الا بعد موافقة الجميع , المرة الوحيدة التي تجرأتُ فيها واعترضتُ كانت نهايتها صفعة على خدي وإنذارا بالطلاق ..كبرتْ المسافة بيني وبينه, أخذ يتغيب طويلا عن البيت, وعن المدينة كلها , وحينَ يعود يبدو عليه القلق والخوف, عيناه مترقبة , أحيانا كثيرة َ يقطعُ حديثهُ حين يلمحني قادمة نحوه , بدأت أشعر بتحاشيه لي , هناك أمر جلل شغله عن كل شيء ..
عودة للبيت.. للمشاكل التي مهدت لها قبل الإنتقال .فهاهي الكاتبة تسلط الضوء على الجو المكهرب الذي نتج بعد الإنتقال وهي تقدم لنا الأسباب التي خلقت الهوة بين الشخصيات ..الأمر الذي دق ناقوص
الإنفصال والذي صورته الكاتبة بإنذار للطلاق .
وقعَ الطلاقُ بعد ست سنوات , أطفالي كانوا الصفقة التي ربحتها مقابل تنازلي له عن كل شيء , فتنفستُ بعمق لانني ظننتُ أن القدر قد أكتفى مني ..لم أكن أريدُ لاطفالي أن يكبروا بعيدا عن والدهم , فسمحتُ له برؤيتهم بين فترةٍ وأخرى, فليس من العدلِ أن يخطىء الكبار ليدفع الصغار الثمن , هكذا كنتُ أقنعُ نفسي وليتها اعترضتْ ولم تقتنعْ ..
فوز وخروج الكاتبة عن الحيادية :
"وليتها اعترضتْ ولم تقتنع "أن يخرج الكاتب من النص ليعبر عن موقفه من حياة أبطاله ..أن يقحم نفسه في مشاكلهم فهذا ليس تعاطف مع الأخير قدر ما هو عيش للحدث بنفسه.فوز المرأة التي شهدت طلاق بطلتها بعد ست سنوات من الصبر والتحمل لهذا الرجل الذي تغير مع الأمكنة ..هاهي تثبت لي أن المرأة الكاتبة هي ذاتها الإنسانة التي تراعي حقوق الأطفال المتضررين من هذا الإنفصال ..كحلقة مفقودة بين الطرفين ..الأول والثاني.
صراخي حينَ عرفت أنه قد هرب بالاطفال لمْ يسمعهُ أحد, لان صوت انفجار قريب غطى كل شيء,
الدخان الاسود ملىء سماء المدينة, المستقبل غاب في ظلمة الحاضر, تغيرت معاني الكلمات, عيوننا فقط كانت بخوف تترقب .. بعد أشهر,لم يعد أحد يسألني عنهما, فالاحداثُ الكبيرة مثل حيتان البحر, تلتهم السمك الصغير, وحدي , بقيت أتتبع أخبار اطفالي من بعيد بعد أن هدم طليقي كل جسرٍ قد يصلْ بيني وبينهم ..
"أمام تصاعد الأحداث عوائد الحب تختفي حين تخرج للشارع "
في الفضاء الإنتقالي بين الخارج والداخل في هذه القصة ..هناك مساحة للحدث السياسي.للبعد الطائفي والمذهبي والحزبي الذي ادخل العراق كوطن في دوامة من الصراع الداخلي الداخلي ان كان مع الميليشيات والتنظيمات الإرهابية أو مع العراقي العادي ..مع المحيطين به
وفوز الكلابي هي أفضل من صورت هذا التغير في البيئة السياسية للمجتمع العراقي والتي طالت مشاكله وصراعته حتى بيوت العامة .فخلقت لنا مثل هذا النوع من القصص الذي نقف عليه اليوم ..فهذا الرجل انضم فجأة لإحدى التنظيمات الارهابية وهرب بالأولاد وترك هذه المرأة تعيش كيس الإنتظار لوحدها إلى أن تأخذ قرار الإرتباط للمرة الثانية ..
تزوجت ثانية, لابدَ للحياة أن تستمر, واستمرتْ حين أنجبتُ بنتا وصبي , لكن حنيني لا طفالي أبدا لم يهدأ ..
حين وصلني خبر انضمام طليقي لاحدى التنظيمات الارهابية لم أتفاجىء , لاني وجدت أخيرا تفسيرا لكل افعاله الغريبة , ولكن , الذي أفزعني وجعلَ ساعات الليلِ طويلة سوداء وساعات النهار قلق قاتل حين عرفت انه زجّ باطفالنا في درب نهايته الموت أو ألانحراف عن الحياة ..
البطلة تزوجت من جديد ..أسست لها حياة اخرى على أنقاض ما حملته معها لبيت الزوجية وهاهي تسمح لنفسها أن تنجب أطفالا آخرين ..في الوقت الذي فيه الطليق ارتبط بمنظمة ارهابية وقدم لها أولاد جاهزين..عندنا هنا طفلين في مرحلة البلوغ ان حسبنا المدة الزمنية التي مرت بها القصة .
الموت البطىء , لا أحد يصف هذا المعنى الا مَنْ عاشه, لم أعدْ اشعرُ بالألم لاني غرقتُ فيه, صور مرعبة أحتلتْ كوابيسي وأنا اتخيل ابنتي ذات الخمسة عشر ربيعا تتلاقفها ايادي المجرمين, تعبث بها باسم الدين وأبني أصبح رأسه الفارغ وعاءا لافكارٍ مسمومة من أبٍ كره الحياة قبل أن يفهمها..ثلاث سنوات مرتْ, أحيانا كنت أتمنى أن أسمع خبرُ موتهما حينها يصبح لسياطِ الالم التي أتلقاها جلاد واحد, ولكن حتى هذهِ الامنية قد منَ بها القدر علي , امسيتُ أفزع لكل رنةِ هاتف أو لطرقةِ بابٍ لا اعرفُ صاحبها , الشك كادَ يقتلني حين أرى اثنين يتهامسان فاظنُ انهما يخفيان شيئا عني ..
تعود بنا الكاتبة للوضع النفسي المتأزم
الذي وصلت اليه القصة..وهي تستخدم اسلوب التعبير عن الفوضى التي يعيشها الأبطال .زوج"طليق" يرمي بنفسه للموت .ابنة خائفة ومرعوبة من المجرمين وابن يقف على حافة الهاوية التي رسمها له الأب حين اخذه لمن يتاجرون بالدين .وأم تعيش الرعب والخوف والترقب .. ب"وهنا نلمس البعد الدرامي للمتغير في حياة كل واحد منهم على حدا "
النهاية عند فوز الكلابي تكتبها المرأة دائما :
لا أدري كيفَ اصفُ مشاعري حين وصلني ذاتَ يومٍ قائضٍ خبرُ مقتلُ طليقي, فالمدينة التي يتحصنُ بها هو والجماعات التي ينتمي اليها قد تحررتْ, أرى الفرحةَ في عيونِ الجميع الا عيوني غَرقتْ بدمعها, بموتهِ ضاع الخيط الذي كنتُ اتمسكُ به ليصلني باطفالي ..شعوري باليأس جعلَ الوقت يمرسريعا فلم يعدْ هناكَ ما أنتظرهُ , لمْ تعدْ أسماء الايام تهمني, أضحى النهارُ يشبه الليل لم يكن لدي من رفيق سوى سيجارتي وصمتي .. كأني ولدت من جديد, فصرختي كانت صرخة ألم من أجل الحياة .. أتصال جاءني من مجهول يطلب مني أن أحضر الى المدينة المحررة لاستلم أبنتي ..الليل الموحش والخطر الذي قد اتعرض له وانا اقطع شوارع مظلمة, كل ذلك لم يمنعاني من السفر اليها .. حين نودي بأسمها في المخيم, نهضتْ من بين عشرات الفتيات, السواد يلفُ جسدها , لا يظهر منها الا وجه خالٍ من اي تعبير وبين يديها طفل رضيع ..أما أبني , هرب مع من هرب من الجماعات وهو يهدد بالانتقام لابيه .
ابنة عادت بطفلة في يديها
وابن هرب مع الجماعات ..
وزوج سابق قتل بعدما دخل الجيش
وحرر المدينة المتحصن بها ..
ل فوز الكلابي :
بعدما انهيت قراءة "الدخول في الشرنقة "أقول لك ..هنيئا للعراق بك كما اقولها دائما .هنيئا للأدب بك كما أرددها دائما .
وتشهدت القصة القصيرة تطورا كبيرا ان كان على مستوى السرد المكتوب بلغة شعرية أو على ذاك الذي أخد الطابع الرمزي ..ولكن ما تخلقينه أنت هو لغة مشهدية ..هو فن ابتكار قصص تصلح لتكون مسرحيات ..تعتمد لتحول إلى أفلام .
كنت سعيدا وأنا أقرأ لك .وإن كنت سألومك على شيء .فسألومك عن أبطالك ..الذين حدث وتمنيت أن ارى ما يرتدون من ثياب .ما يأكلون من طعام وما يحملون من أسماء .
فن القصة هو فن التسمية في السرد.
إلى الغالية الصديقة الكاتبة القاصة فوز الكلابي
انتهى هنا
فوز الكلابي سيدة للقصة النسائية
كيف للقصة أن تعيش بعدك .وكيف يمكن للغة أن تواصل زحفها في غيابك..؟
إن بحثنا عن هندسة النص نقول "فوز الكلابي "وإن حملنا السرد في قصص تصلح لكل جيل .فلن نجد أفضل من قصص " القاصة العراقية فوز الكلابي " هي فوز الوشاح الأحمر ..وهو المدخل الشاسع لعالم الكتابة النسائية.
فوز التي قلتها لها يوما ..هنالك نساء خلقن للمقاعد الأولى من مسرح الأدباء..كنت أعرف أن هذه المرأة نذرت نفسها للقصص التشخيصية .هي كاتبة الزاوية.. مخرجة اللغة المشهدية، وسيدة العامل النفسي في كل حوار أو طرح لقضية تمثلها كتابة تعبر عن المرأة العربية ..في انتظار أن يقرأها أحد ليسارع لتلبية نداء الإغاثة الذي تطلقه كل قصة من قصص هذه المرأة المتمردة ..
أجلس الليلة معكم وأنا أضع قصة "الدخول في الشرنقة "أمامي ..أنزع ساعة يدي .وأمسح نظارتي بمنديل صغير من ذاك النوع الذي يقدم لي كهدية كل ستة أشهر حين أغير الزجاج والكادر لهذه النظارات التي بدونها ما استطعت أن أكتب نقدا ولا أن أجلس مع كل رواية أو قصة تثيرني لأكتب عنها..
الدخول في الشرنقة.وامرأة تضع حياتها في أكياس :
-كيس لحبيب تحدى الطائفية ليصل بها إلى الزواج ..
-كيس لوطن يعيش قضية سياسية أثرت تبعاتها على نفسية رجل تغير بين قضية وضحاها..
-كيس لأنفصال لم يكن متوقعا
-وكيس لأنتظار أبناء أخدهم الزوج وهرب بهم إلى المجهول .
الدخول في الشرنقة والعامل النفسي المحرك للشخصيات :
فوز الكلابي امرأة لها الذكاء الكافي واحتيال المخرج الذي يسكنها لتصور لنا الحالة النفسية لبطلة قصتها التي أدخلتنا بطريقة مباشرة في عالمها وهي تعود بنا إلى البدايات ..وكأن هذه المرأة تعترف لنا بحياة ارتكبتها
بكل تناقضها وهي تقول :في الجامعة، رأيته لأولِ مرة، من حينها ونظراتهُ تلاحقني أينما ذهبتْ . لم أكنْ سعيدة بهذهِ النظرات ، لكني لم أعترضْ ربما لانها كانت تُشبع ذلك الغرور الكامن داخلي كفتاة جميلة دون أن أدري , لم أحببهُ قط لكني أيضا لم أرفضهُ حين تقدم للزواج مني بعد أربعة اعوام , فتحديهِ لاهلهِ من أجلي بسبب اختلاف طائفتنا كانت كافيةٍ لاسكاتي وأقناعي من أنني سأعيش في ظلِ رجل يعرفُ كيفَ يحميني..
والعامل النفسي هنا نلمسه التعابير التالية :
-لم أكنْ سعيدة بهذهِ النظرات
لم أعترضْ لأنها كانت تُشبع ذلك الغرور الكامن داخلي كفتاة جميلة دون أن أدري..
-لم أحببهُ قط لكني أيضا لم أرفضهُ حين تقدم للزواج مني بعد أربعة أعوام.
وتكمل السرد وهي تسلك المنحى المرجعي لنفسية البطلة "المتغير بعد الزواج ":كل شيء سارَ بهدوء, لم يكسرهُ الا صراخ طفلتنا حين ولدتها في يوم كانت السماءُ مليئة بسحبٍ سوداء, فرحته بالبنت لمْ تتغلب على شرقيته , فظلَ يحلمُ بالصبي الذي يحملُ اسمهُ حتى تحققَ له ذلك بعد عام ونصف ..
من العوامل الفنية والإنتاجية في طرح لغة السرد عند فوز الكلابي ..هو ذهابها الدائم في كل قصة إلى خلق مساحة للتعبير النفسي عن أبطالها..وهو اختيار انتاجي اكثر منه فني ..فأنا عندما ألمس الحالة النفسية لهذا الرجل الشرقي "العراقي "الذي استقبل ميلاد هذه الإبنة بفرحة ناقصة كما صورتها الكاتبة أعي وأفهم أن الشرق مازال ينتج لنا ثقافة الطفل الأول الذي جرت العادة أنه حبذا لو كان "ذكرا "..ومساحة المتخيل هنا العام والنصف الذي فصل بين ميلاد الإبنة والإبن ..هو رابط بين قصتين في قصة واحدة .
وعودة للنص المتصاعد الأحداث والذي نستطيع تقييمه بالمعيار الفني "الحدث وحده "دون العودة للعامل المغير والمحرك لهذه القصة "الدخول في الشرنقة "وهو الرجل وقراراته وهي "العقدة "ففي كل قرار يأخذه هذا الرجل تتغير جميع أحداث القصة .
تقول البطلة : انتقالنا للعيش في بيتِ أهله في احدى المحافظات, كانت الانعطافة التي غيرتْ مسيرة حياتنا وجعلتها تتأخذ لونا أخر ليس هو اللون الذي ابتدأت به ..
وهنا نعود للطابع الشرقي ..وتعطينا الكتابة مساحة كافية لتخيل الحالة الإجتماعية والطبقية التي ينتمي لها أبطال القصة ..فنحن لا ننتقل للعيش في بيت الأهل. إلا في وجود حالات تدفعنا للنزوح إن صح التعبير .وفي حالة القصة التي ننقاشها اليوم فهذا الإنتقال المفاجئ للبطلة مع ابن وابنة وزوج للعيش في بيت الأسرة أو العائلة مؤكد أن له أبعاد نفسية واجتماعية على أبطال القصة.وهذا ما تمتاز به الكلابي كما سلف لي الذكر .
العراق وطن يصلح ليموت فيه الجميع ..ومن هنا أبعث لك دعوة لتموت أوتميتني في سبيل قضية لا دخل لي بها غير أني أحببتك.
تقول :صحونا ذات يومٍ ربيعي على خبرِ سقوط النظام ..أصبحَ إنسانا أخر, يتحاشى التحدثُ معي أو الجلوسَ بجانبي بل بلغُ ألامر به الامتناعَ عن تناول الطعام معي ..شيئا فشيئا لم أعدْ أشعر أني متزوجة إلا حين أدخل غرفتي لاجدهُ ممدا على السرير ينتظرَ أن يسدَ جوعهُ من جسدي ثم يغُطُ في نومٍ عميق دون أن يتفوه بكلمة ..
"فوز الكلابي وثقافة التصوير المشهدي"
قبل شهور كنت جلست مع الأستاذة فوز في جلسة حوار وسألتها هل درست الإخراج .؟لأنني اراك مخرجة .وأحب الزاوية التي تأخذين منها مشاهدك ..فأنت تحملين الكامير وأنت تكتبين ..وهذا ما المسه الليلة أيضا في تقريب العدسة من الحياة الزوجية بين البطلين ..
-صحونا ذات يومٍ ربيعي على خبرِ سقوط النظام .."تصوير الفضاء الخارجي للقصة والحدث السياسي "
-أصبحَ إنسانا أخر, يتحاشى التحدثُ معي أو الجلوسَ بجانبي بل بلغُ ألامر به الامتناعَ عن تناول الطعام معي .."تصوير للفضاء الداخلي ومرحلة من التنافر التي وصلت لها العلاقة"
- لم أعدْ أشعر أني متزوجة إلا حين أدخل غرفتي لاجدهُ ممدا على السرير ينتظرَ أن يسدَ جوعهُ من جسدي ثم يغُطُ في نومٍ عميق دون أن يتفوه بكلمة .."تصوير لغرفة النوم التي طالتها الخلافات حتى أصبحت مكانا لإفراغ "
التمهيد عند فوز الكلابي لنقطة التحول يرتدي دائما الثوب الداخلي
للحدوثة عندها مما يقلب الأحداث
على دفعات .
تقول :فقداني لخصوصيتي هو الشيء الذي ظلَ يثيرُ سخطي, خارج الغرفة لم أكنْ زوجة , بل خادمة لكلِ مَنْ في المنزل لا أجروء على فعلِ أو قولِ شيء الا بعد موافقة الجميع , المرة الوحيدة التي تجرأتُ فيها واعترضتُ كانت نهايتها صفعة على خدي وإنذارا بالطلاق ..كبرتْ المسافة بيني وبينه, أخذ يتغيب طويلا عن البيت, وعن المدينة كلها , وحينَ يعود يبدو عليه القلق والخوف, عيناه مترقبة , أحيانا كثيرة َ يقطعُ حديثهُ حين يلمحني قادمة نحوه , بدأت أشعر بتحاشيه لي , هناك أمر جلل شغله عن كل شيء ..
عودة للبيت.. للمشاكل التي مهدت لها قبل الإنتقال .فهاهي الكاتبة تسلط الضوء على الجو المكهرب الذي نتج بعد الإنتقال وهي تقدم لنا الأسباب التي خلقت الهوة بين الشخصيات ..الأمر الذي دق ناقوص
الإنفصال والذي صورته الكاتبة بإنذار للطلاق .
وقعَ الطلاقُ بعد ست سنوات , أطفالي كانوا الصفقة التي ربحتها مقابل تنازلي له عن كل شيء , فتنفستُ بعمق لانني ظننتُ أن القدر قد أكتفى مني ..لم أكن أريدُ لاطفالي أن يكبروا بعيدا عن والدهم , فسمحتُ له برؤيتهم بين فترةٍ وأخرى, فليس من العدلِ أن يخطىء الكبار ليدفع الصغار الثمن , هكذا كنتُ أقنعُ نفسي وليتها اعترضتْ ولم تقتنعْ ..
فوز وخروج الكاتبة عن الحيادية :
"وليتها اعترضتْ ولم تقتنع "أن يخرج الكاتب من النص ليعبر عن موقفه من حياة أبطاله ..أن يقحم نفسه في مشاكلهم فهذا ليس تعاطف مع الأخير قدر ما هو عيش للحدث بنفسه.فوز المرأة التي شهدت طلاق بطلتها بعد ست سنوات من الصبر والتحمل لهذا الرجل الذي تغير مع الأمكنة ..هاهي تثبت لي أن المرأة الكاتبة هي ذاتها الإنسانة التي تراعي حقوق الأطفال المتضررين من هذا الإنفصال ..كحلقة مفقودة بين الطرفين ..الأول والثاني.
صراخي حينَ عرفت أنه قد هرب بالاطفال لمْ يسمعهُ أحد, لان صوت انفجار قريب غطى كل شيء,
الدخان الاسود ملىء سماء المدينة, المستقبل غاب في ظلمة الحاضر, تغيرت معاني الكلمات, عيوننا فقط كانت بخوف تترقب .. بعد أشهر,لم يعد أحد يسألني عنهما, فالاحداثُ الكبيرة مثل حيتان البحر, تلتهم السمك الصغير, وحدي , بقيت أتتبع أخبار اطفالي من بعيد بعد أن هدم طليقي كل جسرٍ قد يصلْ بيني وبينهم ..
"أمام تصاعد الأحداث عوائد الحب تختفي حين تخرج للشارع "
في الفضاء الإنتقالي بين الخارج والداخل في هذه القصة ..هناك مساحة للحدث السياسي.للبعد الطائفي والمذهبي والحزبي الذي ادخل العراق كوطن في دوامة من الصراع الداخلي الداخلي ان كان مع الميليشيات والتنظيمات الإرهابية أو مع العراقي العادي ..مع المحيطين به
وفوز الكلابي هي أفضل من صورت هذا التغير في البيئة السياسية للمجتمع العراقي والتي طالت مشاكله وصراعته حتى بيوت العامة .فخلقت لنا مثل هذا النوع من القصص الذي نقف عليه اليوم ..فهذا الرجل انضم فجأة لإحدى التنظيمات الارهابية وهرب بالأولاد وترك هذه المرأة تعيش كيس الإنتظار لوحدها إلى أن تأخذ قرار الإرتباط للمرة الثانية ..
تزوجت ثانية, لابدَ للحياة أن تستمر, واستمرتْ حين أنجبتُ بنتا وصبي , لكن حنيني لا طفالي أبدا لم يهدأ ..
حين وصلني خبر انضمام طليقي لاحدى التنظيمات الارهابية لم أتفاجىء , لاني وجدت أخيرا تفسيرا لكل افعاله الغريبة , ولكن , الذي أفزعني وجعلَ ساعات الليلِ طويلة سوداء وساعات النهار قلق قاتل حين عرفت انه زجّ باطفالنا في درب نهايته الموت أو ألانحراف عن الحياة ..
البطلة تزوجت من جديد ..أسست لها حياة اخرى على أنقاض ما حملته معها لبيت الزوجية وهاهي تسمح لنفسها أن تنجب أطفالا آخرين ..في الوقت الذي فيه الطليق ارتبط بمنظمة ارهابية وقدم لها أولاد جاهزين..عندنا هنا طفلين في مرحلة البلوغ ان حسبنا المدة الزمنية التي مرت بها القصة .
الموت البطىء , لا أحد يصف هذا المعنى الا مَنْ عاشه, لم أعدْ اشعرُ بالألم لاني غرقتُ فيه, صور مرعبة أحتلتْ كوابيسي وأنا اتخيل ابنتي ذات الخمسة عشر ربيعا تتلاقفها ايادي المجرمين, تعبث بها باسم الدين وأبني أصبح رأسه الفارغ وعاءا لافكارٍ مسمومة من أبٍ كره الحياة قبل أن يفهمها..ثلاث سنوات مرتْ, أحيانا كنت أتمنى أن أسمع خبرُ موتهما حينها يصبح لسياطِ الالم التي أتلقاها جلاد واحد, ولكن حتى هذهِ الامنية قد منَ بها القدر علي , امسيتُ أفزع لكل رنةِ هاتف أو لطرقةِ بابٍ لا اعرفُ صاحبها , الشك كادَ يقتلني حين أرى اثنين يتهامسان فاظنُ انهما يخفيان شيئا عني ..
تعود بنا الكاتبة للوضع النفسي المتأزم
الذي وصلت اليه القصة..وهي تستخدم اسلوب التعبير عن الفوضى التي يعيشها الأبطال .زوج"طليق" يرمي بنفسه للموت .ابنة خائفة ومرعوبة من المجرمين وابن يقف على حافة الهاوية التي رسمها له الأب حين اخذه لمن يتاجرون بالدين .وأم تعيش الرعب والخوف والترقب .. ب"وهنا نلمس البعد الدرامي للمتغير في حياة كل واحد منهم على حدا "
النهاية عند فوز الكلابي تكتبها المرأة دائما :
لا أدري كيفَ اصفُ مشاعري حين وصلني ذاتَ يومٍ قائضٍ خبرُ مقتلُ طليقي, فالمدينة التي يتحصنُ بها هو والجماعات التي ينتمي اليها قد تحررتْ, أرى الفرحةَ في عيونِ الجميع الا عيوني غَرقتْ بدمعها, بموتهِ ضاع الخيط الذي كنتُ اتمسكُ به ليصلني باطفالي ..شعوري باليأس جعلَ الوقت يمرسريعا فلم يعدْ هناكَ ما أنتظرهُ , لمْ تعدْ أسماء الايام تهمني, أضحى النهارُ يشبه الليل لم يكن لدي من رفيق سوى سيجارتي وصمتي .. كأني ولدت من جديد, فصرختي كانت صرخة ألم من أجل الحياة .. أتصال جاءني من مجهول يطلب مني أن أحضر الى المدينة المحررة لاستلم أبنتي ..الليل الموحش والخطر الذي قد اتعرض له وانا اقطع شوارع مظلمة, كل ذلك لم يمنعاني من السفر اليها .. حين نودي بأسمها في المخيم, نهضتْ من بين عشرات الفتيات, السواد يلفُ جسدها , لا يظهر منها الا وجه خالٍ من اي تعبير وبين يديها طفل رضيع ..أما أبني , هرب مع من هرب من الجماعات وهو يهدد بالانتقام لابيه .
ابنة عادت بطفلة في يديها
وابن هرب مع الجماعات ..
وزوج سابق قتل بعدما دخل الجيش
وحرر المدينة المتحصن بها ..
ل فوز الكلابي :
بعدما انهيت قراءة "الدخول في الشرنقة "أقول لك ..هنيئا للعراق بك كما اقولها دائما .هنيئا للأدب بك كما أرددها دائما .
وتشهدت القصة القصيرة تطورا كبيرا ان كان على مستوى السرد المكتوب بلغة شعرية أو على ذاك الذي أخد الطابع الرمزي ..ولكن ما تخلقينه أنت هو لغة مشهدية ..هو فن ابتكار قصص تصلح لتكون مسرحيات ..تعتمد لتحول إلى أفلام .
كنت سعيدا وأنا أقرأ لك .وإن كنت سألومك على شيء .فسألومك عن أبطالك ..الذين حدث وتمنيت أن ارى ما يرتدون من ثياب .ما يأكلون من طعام وما يحملون من أسماء .
فن القصة هو فن التسمية في السرد.
إلى الغالية الصديقة الكاتبة القاصة فوز الكلابي
انتهى هنا
تعليقات
إرسال تعليق